فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} أي أخاف أن يضيق قلبي وفيه وجهان:
أحدهما: بتكذيبهم إياي، قاله الكلبي.
الثاني: بالضعف عن إبلاغ الرسالة.
{وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي} فيه وجهان:
أحدهما: من مهابة فرعون، قاله الكلبي.
الثاني: للعقدة التي كانت به.
{فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} أي ليكون معي رسولًا، لأن هارون كان بمصر حيث بعث الله تعالى موسى نبيًا.
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} فتكون علي بمعنى عندي، وهو قول المفضل، وأنشد قول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدَّعي ** علي ذَنْبا كلّه لم أصْنَعِ

والثاني: معناه ولهم عليّ عقوبة ذنب.
{فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} قد خاف موسى أن يقتلوه بالنفس التي قتلها، فلا يتم إبلاغ الرسالة لأنه يعلم أن الله تعالى بعثه رسولًا تكفل بعونه على تأدية رسالته. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)}.
التقدير واذكر {إذ نادى ربك موسى} وسوق هذه القصة تمثيل لكفار قريش لتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقوله: {أن ائت} يجوز في {أن} أن تكون مفسرة لا موضع لها من الإعراب بمنزلة أي، ويجوز أن تكون غيرها وهي في موضع نصب بتقدير بأن ائت، وقوله: {ألا يتقون} معناه قل لهم فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى، وقرأ الجمهور {يتقون} بالياء من تحت، وقرأ عبد الله بن مسلم وحماد بن سلمة وأبو قلابة {تتقون} بالتاء من فوق على معنى قل لهم، ولعظيم نخوة فرعون وتألهه وطول مدته وما أشربت القلوب من مهابته قال عليه السلام {إني أخاف أن يكذبون}. وقرأ جمهور الناس {ويضيقُ} بالرفع و{ينطلقُ} كذلك، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى ذلك بالنصب فيهما، فقراءة الرفع هي إخبار من موسى بوقوع ضيق صدره وعدم انطلاق لسانه، وبهذا رجح أبو علي هذه القراءة، وقراءة النصب تقتضي أن ذلك داخل تحت خوفه وهو عطف على {يكذبون}، وكان في خلق موسى عليه السلام حد وكان في لسانه حبسة بسبب الجمرة في طفولته، وحكى أبو عمرو عن الأعرج أنه قرأ بنصب {ويضيقَ} وبرفع {ينطلقُ} وقد يكون عدم انطلاق اللسان بالقول لغموض المعاني التي تطلب لها ألفاظ محررة، فإذا كان هذا في وقت ضيق صدر ولم ينطلق اللسان، وقد قال موسى عليه السلام {واحلل عقدة من لساني} [طه: 27] فالراجح قراءة الرفع، وقوله تعالى: {فأرسل إلى هارون} معناه يعينني ويؤازرني، وكان هارون عليه السلام فصيحًا واسع الصدر، فحذف بعض المراد من القول إذ باقيه دال عليه، ثم ذكر موسى خوفه القبط من أجل ذنبه، وهو قتله الرجل الذي وكزه، قاله قتادة ومجاهد والناس، فخشي أن يستقاد منه لذلك فقال الله عز وجل له {كلا} ردًا لقوله: {إني أخاف} أي لا تخف ذلك فإني لم أحملك ما حملتك إلا وقد قضيت بنصرك وظهورك وأمر موسى وهارون بخطاب لموسى فقط، لأن هارون ليس بمكلم بإجماع، ولكن قال لموسى {اذهبا} أي أنت وأخوك، والآيات تعم جميع ما بعثهما الله به وأعظم ذلك العصا بها وقع العجز، وبالآيتين تحدى موسى عليه السلام، ولا خلاف في أن موسى عليه السلام هو الذي حمله الله أمر النبوة وكلها، وأن هارون كان نبيًا رسولًا معينًا له وزيرًا، وقوله: {إنا معكم} إما على أن يجعل الاثنين جماعة، وإما أن يريدهما، والمبعوث إليهم وبني إسرائيل، وقوله: {مستمعون} على نحو التعظيم والجبروت التي لله تعالى، وصيغة قوله: {مستمعون} تعطي اهتبالًا بالأمر ليس في صيغة قوله سامعون، وإلا فليس يصف الله تعالى بطلب الاستماع، وإنما القصد إظهار التهمم ليعظم أنس موسى أو تكون الملائكة بأمر الله إياها تستمع. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإِذ نادى}.
المعنى: واتل هذه القصة على قومك.
قوله تعالى: {أن يُكَذِّبونِ} ياء {يُكَذِّبِونِ} محذوفة، ومثلها {أن يقتلون} [الشعراء: 14] {سيهدين} [الشعراء: 62] {فهو يدين} [الشعراء: 78] {ويسقين} [الشعراء: 79] {فهو يشفين} [الشعراء: 80] {ثم يحيين} [الشعراء: 81] {كذَّبون} [الشعراء: 117] {وأطيعون} [الشعراء: 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: {ويَضيقُ صَدْري} أي بتكذيبهم إِيّاي {ولا يَنْطَلِقُ لساني} للعُقدة التي كانت بلسانه.
وقرأ يعقوب {ويَضيقَ} {ولا يَنطلقَ} بنصب القاف فيهما، {فأَرسِلْ إِلى هارونَ} المعنى: ليُعينني، فحُذف، لأن في الكلام دليلًا عليه، {ولهم عليَّ ذَنْب} وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه؛ والمعنى: ولهم عليَّ دعوى ذَنْب {فأخافُ أن يقتُلون} به {قال كَلاَّ} وهو ردع وزجر عن الإِقامة على هذا الظن؛ والمعنى: لن يقتلوك لأنّي لا اسلِّطهم عليك، {فاذهبا} يعني: أنت وأخوك {بآياتنا} وهي: ما أعطاهما من المعجزة {إِنَّا} يعني نفسه عز وجل {معكم} فأجراهما مجرى الجماعة {مستمِعونَ} نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى}.
{إِذْ} في موضع نصب؛ المعنى: واتل عليهم {وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى} ويدلّ على هذا أنّ بعده.
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} ذكره النحاس.
وقيل: المعنى؛ واذكر إذ نادى كما صرح به في قوله: {واذكر أَخَا عَادٍ} [الأحقاف: 21] وقوله: {واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ} [ص: 45] وقوله: {واذكر فِي الكتاب مَرْيَمَ} [مريم: 16].
وقيل: المعنى؛ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} كان كذا وكذا.
والنداء الدعاء بيا فلان، أي قال ربك يا موسى {أَنِ ائت القوم الظالمين} ثم أخبر من هم فقال: {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} ف {قومَ} بدل؛ ومعنى {أَلاَ يَتَّقُونَ} ألا يخافون عقاب الله؟ وقيل هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين، ودلّ قوله: {يَتَّقُونَ} على أنهم لا يتقون، وعلى أنه أمرهم بالتقوى.
وقيل: المعنى؛ قل لهم {أَلاَ تَتَّقُونَ} وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب، ولو جاء بالتاء لجاز.
ومثله {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران: 12] بالتاء والياء.
وقد قرأ عبيد بن عمير وأبو حازم {أَلاَ تَتَّقُونَ} بتاءين أي قل لهم {أَلاَ تَتَّقُونَ}.
{قَالَ رَبِّ} أي قال موسى {رَبِّ إني أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} أي في الرسالة والنبوة.
{وَيَضِيقُ صَدْرِي} لتكذيبهم إياي.
وقراءة العامة {وَيَضيقُ} {وَلاَ يَنْطَلِقُ} بالرفع على الاستئناف.
وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة {وَيَضِيقَ وَلاَ يَنْطَلِقَ} بالنصب فيهما ردًّا على قوله: {أَنْ يُكَذِّبُونِ} قال الكسائي: القراءة بالرفع؛ يعني في {يَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي} يعني نسقًا على {إِنِّي أَخَافُ}.
قال الفراء: ويقرأ بالنصب.
حكي ذلك عن الأعرج وطلحة وعيسى بن عمر وكلاهما له وجه.
قال النحاس: الوجه الرفع؛ لأن النصب عطف على {يُكَذِّبُونِ} وهذا بعيد يدلّ على ذلك قوله عز وجل: {واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي} [طه: 27 28] فهذا يدلّ على أن هذه كذا.
ومعنى، {وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي} في المحاجة على ما أحب؛ وكان في لسانه عُقْدة على ما تقدّم في طه.
{فَأَرْسِلْ إلى هَارُونَ} أرسل إليه جبريل بالوحي، واجعله رسولًا معي ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني.
ولم يذكر هنا ليعينني؛ لأن المعنى كان معلومًا، وقد صرح به في سورة طه: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا} وفي القصص: {أَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] وكأن موسى أذن له في هذا السؤال، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه.
ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر، ويخاف من نفسه تقصيرًا، أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم.
{وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ} الذنب هنا قتل القبطي واسمه فاثور على ما يأتي في القصص بيانه، وقد مضى في طه ذكره.
وخاف موسى أن يقتلوه به، ودلّ على أن الخوف قد يصحب الأنبياء والفضلاء والأولياء مع معرفتهم بالله وأن لا فاعل إلا هو؛ إذ قد يسلط من شاء على من شاء {قَالَ كَلاَّ} أي كلا لن يقتلوك.
فهو ردع وزجر عن هذا الظن، وأمر بالثقة بالله تعالى؛ أي ثق بالله وانزجر عن خوفك منهم؛ فإنهم لا يقدرون على قتلك، ولا يقوون عليه.
{فاذهبا} أي أنت وأخوك فقد جعلته رسولًا معك.
{بِآيَاتِنَآ} أي ببراهيننا وبالمعجزات.
وقيل: أي مع آياتنا.
{إِنَّا مَعَكُمْ} يريد نفسه سبحانه وتعالى.
{مُّسْتَمِعُونَ} أي سامعون ما يقولون وما يجاوبون.
وإنما أراد بذلك تقوية قلبيهما وأنه يعينهما ويحفظهما.
والاستماع إنما يكون بالإصغاء، ولا يوصف الباري سبحانه بذلك.
وقد وصف سبحانه نفسه بأنه السميع البصير.
وقال في طه: {أَسْمَعُ وأرى} [طه: 46] وقال: {مَعَكُمْ} فأجراهما مجرى الجمع؛ لأن الاثنين جماعة.
ويجوز أن يكون لهما ولمن أرسلا إليه.
ويجوز أن يكون لجميع بني إسرائيل. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولما ذكر تكذيب قريش بما جاءهم من الحق وإعراضهم عنه، ذكر قصة موسى عليه السلام، وما قاسى مع فرعون وقومه، ليكون ذلك مسلاة لما كان يلقاه عليه الصلاة والسلام من كفار قريش.
إذ، كانت قريش قد اتخذت آلهة من دون الله، وكان قوم فرعون قد اتخذوه إلهًا، وكان أتباع ملة موسى عليه السلام هم المجاورون من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، بدأ بقصة موسى، ثم ذكر بعد ذلك ما يأتي ذكره من القصص.
والعامل في إذ، قال الزجاج، اتل مضمرة، أي اتل هذه القصة فيما يتلوا إذ نادى، ودليل ذلك {واتل عليهم نبأ إبراهيم} إذ.
وقيل: العامل اذكر، وهو مثل واتل، ومعنى نادى: دعا.
وقيل: أمر.
وأن: يجوز أن تكون مصدرية، وأن تكون تفسيرية، وسجل عليهم بالظلم، لظلم أنفسهم بالكفر، وظلم بني إسرائيل بالاستعباد، وذبح الأولاد، و{قوم فرعون}، وقيل: بدل من {القوم الظالمين}، والأجود أن يكون عطف بيان لأنهما عبارتان يعتقبان على مدلول واحد، إذ كل واحد عطف البيان، وسوغه مستقل بالإسناد.
ولما كان القوم الظالمين يوهم الاشتراك، أتى عطف البيان بإزالته، إذ هو أشهر.
وقرأ الجمهور: ألا يتقون، بالياء على الغيبة.
وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار، وشقيق بن سلمة، وحماد بن سلمة، وأبو قلابة: بتاء الخطاب، على طريقة الالتفات إليهم إنكارًا وغضبًا عليهم، وإن لم يكونوا حاضرين، لأنه مبلغهم ذلك ومكافحهم.
قال ابن عطية: معناه قل لهم، فجمع في هذه العبارة من المعاني نفي التقوى عنهم وأمرهم بالتقوى.